abir
Posts by :
المنتج السوداني طلال عفيفي
السينما السودانية تعيد صياغة حضورها محليا وعالميا
**الجزائر تمثل روحا ثقافية خاصة في المنطقة
** نسخة « غطّاسو الصحراء » المرمّمة تعكس وعيًا جزائريًا بالأرشفة
**الحروب تعيد كتابة التاريخ بمرويات غير أصيلة
**السينمائيون يحتاجون إلى تمويل وفرص وتحرّك قانوني ميسّر
يشارك المنتج السوداني طلال عفيفي في مهرجان الجزائر الدولي للفيلم كعضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، وتمثل مشاركته في الدورة 12 فرصة للاطلاع على التجارب السينمائية الإفريقية والعربية والعالمية وتبادل الخبرات مع صناع أفلام من مختلف البلدان.
أسس عفيفي عام 2010 سودان فلم فاكتوري (Sudan Film Factory)، وهي منظمة غير ربحية بدأت كمشروع تدريبي لصناعة الأفلام الوثائقية عبر معهد غوته الألماني أواخر 2009، قبل أن تنفصل عنه عام 2013 لتصبح منصة مستقلة تعمل على تدريب صانعي الأفلام والإنتاج السينمائي، تسعى منذ تأسيسها إلى بناء شبكة لدعم السينما السودانية داخل وخارج البلاد، وقد تمكنت من إقامة أكثر من 30 ورشة تدريبية مجانية وأسهمت في إنتاج أكثر من 45 فيلما، كان آخرها فيلم الخرطوم (2025)، كما أطلق سنة 2014 مهرجان السودان للسينما المستقلة، الذي لا يزال يرأسه حتى اليوم، من خلال هذا الحوار سنتعرف على مسيرته والمشاريع التي يشرف عليها لتطوير صناعة الأفلام السودانية المستقلة، بالإضافة إلى اهتمامه الكبير بالأرشيف السينمائي وسعيه للحفاظ عليه في سياق إفريقي وعربي وعالمي.
++ في مشاركتكم الثانية كمحكم في مهرجان جزائري، ما الجوانب التي تأملون اكتشافها، وما فرص التعاون التي تعتقدون أن هذه اللقاءات قد تمهد لها مستقبلا؟
فعلا، هذه مشاركتي الثانية كمُحكم في مهرجان جزائري، الأولى كانت في مهرجان وهران للفيلم العربي منذ سنوات، وهذا أمر مهم بالنسبة لي كون الجزائر تمثل روحا ثقافية خاصة في المنطقة، أطمح أن أتعرف بشكل أقوى على المؤسسات والأفراد الفاعلين في الجزائر خلال أيام مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، وربما نثر بعض البذور لتعاون مستقبلي، سواء على مستوى الإنتاج أو على مستوى التخطيط الثقافي.
++ هل يمكن أن يتجسّد هذا التعاون في مجال الأرشيف السينمائي مع المهنيين الجزائريين، الذين يسعون لإحياء ذاكرة السينما الوطنية، وتُحقّق الخطوة استفادة مشتركة للسينما السودانية والجزائرية؟
لاحظت هذا الاهتمام بالأرشيف في افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، من خلال عرض النسخة المرمّمة لفيلم غطّاسو الصحراء، يسعدني أن أطلع أكثر وعن قرب على التجربة الجزائرية في هذا الأمر، وبالتأكيد يمكن خلق تحالفات وتبادل خبرات في هذا المسار، ما يجعل هناك فرصا وبنى تحتية وصيغا تساعد الأجيال القادمة أو الموجودة حاليا على العمل بقوّة دفع أكبر.
++ ما الذي دفعكم للتركيز على الأرشيف السينمائي وممارسات الحفاظ عليه، وكيف ترون دوركم في حماية ذاكرة السينما السودانية؟
أتيت إلى العمل في الأرشيف السينمائي من باب التفكير في دمقرطة وإتاحة الصورة (صورتنا) ومقاومة الحصرية التي تتبناها وتحرسها الأكاديميات والمعاهد المغلقة في شمال العالم خصوصا، منطلقا من سؤال بسيط، ربما: من الذي يملك حق (الفُرجة) على الصور والأفلام، وتداولها، وحفظها، وتأويلها، وبأيّ شروط؟، واليوم، في ظل ما تواجهه المنطقة من حروب وتدمير وإعادة كتابة للتواريخ بمرويات غير أصيلة، يصبح العمل على الحفظ والأرشفة وإعادة المواد الأرشيفية إلى الحياة والاشتباك مع الأسئلة المعاصرة أمرا ضروريا وواجبا.
++ إلى أي مدى تمكنت سودان فلم فاكتوري منذ تأسيسها، من تكوين جيل جديد من صنّاع الأفلام، وأن تُحدث أثرا فعليا في إعادة بناء المشهد السينمائي السوداني بعد سنوات من الغياب؟
ربما يكون هذا سؤالا يُفضّل أن يجيب عليه الآخرون، لكن ظني أنّ أثر سودان فلم فاكتوري كان عميقا، وأنا أعتزّ بمساهمتها في الدفع بعدد كبير من المخرجين والمصوّرين وفناني الصوت والإضاءة إلى الساحة، حيث أصبحوا جزءا من الحراك السينمائي السوداني المثير للإعجاب اليوم، بل تمتد مساهماتهن ومساهمتهم إلى أعمال سينمائية متميزة في الإقليم.
++ مع تنامي الاهتمام العالمي بالسينما السودانية وبروز أسماء مهمة داخل البلاد وخارجها، كيف يمكن تحويل هذا الزخم إلى فرص حقيقية لتطوير الصناعة، وما دور سينمائيي المهجر في دعم بناء مشهد سينمائي مستدام؟
السينما السودانية تفتقد عنصرها الأهم، الأرض والسياق الاجتماعي الطبيعي، الحرب تلعب دورها السلبي في تهجير الفنانين، كسر النسيج الذي صاغوه على مدى سنوات، ووجودهم الآن تحت ظروف قاسية، في المهاجر أو حتى الوطن المنكوب بالحرب، على أيّ حال السينما السودانية تحتاج إلى تمويل، والسينمائيات والسينمائيون يحتاجون إلى فرص للتعلّم والاحتكاك وتكييف أمرهم القانوني ليتحرّكوا بيُسر، السودانيون في المهجر كان لهم سهمهم العالي، حتى قبل هذه الحرب الكبيرة الأخيرة، سوزانا ميرغني، هاشم محمد، صهيب قسم الباري، مروى زين، حجوج كوكا، وأمجد أبو العلاء، أبرز من يشكّلون ملامح السينما السودانية اليوم، هم أبناء مهاجر واغتراب، لكنّهم عبّروا عن صورة السودان بضراوة وشجاعة وجمال منقطعي النظير، كلّ بأسلوبه وروحه، غير الإنتاجات التي قدّموها، فهم في مهاجرهم يقدّمون فرص العرض في مدنهم ويقدّمون فرصا للإنتاج المشترك، كما يساهمون في الملتقيات السينمائية مثلما يساهم بعضهم في تنظيم مؤتمرات وورش عمل ودراسات عن السودان والسينما السودانية.
++ انطلاقا من النشاط البارز للسينمائيين السودانيين في الخارج، وكيفية تواصلهم مع المشهد الوطني، كيف يسهم مهرجان السودان للسينما المستقلة في تعزيز هوية السينما الوطنية، وإتاحة نافذة للجمهور لرؤية قصصه وثقافته؟
المهرجان عبر دوراته السنوية المختلفة منذ عام 2014 قدّم فرصا ممتازة لعرض الإنتاجات السودانية والدولية للجمهور السوداني، فساهم في تعزيز وحشد الناس أمام أعمال سينمائية معاصرة وقديمة، ذكّر الناس بمخرجين سودانيين منسيين، واستعاد أعمالهم من الأرشيف إلى حياة العرض والنقاش والنقد، كذلك ساهم المهرجان عبر لياليه وأيامه الممتدة في الربط والتعارف بين أجيال مختلفة من صناع السينما واستضاف سينمائيين من كل أنحاء العالم قدموا تجاربهم على الشاشة أو نظريا عبر محاضرات وندوات أظنّ أنّها أثّرت بشكل حيوي على كلّ من كان جزءا منها، من المهم أن نذكر أنّ المهرجان ألزم الدولة في السودان بالعديد من المهام تجاه السينما، مثلما استطاع أن يتحوّل إلى مهرجان من المهرجانات المميّزة في المنطقة، سواء من ناحية جودة ونوعية الأفلام المعروضة، أو من ناحية الأنشطة الموازية.
Disonancia للإسبانية راكيل لاروثا..صحراويات يحوّلن نزع الألغام إلى شكل جديد من المقاومة
افتتح فيلم Disonancia مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، في عرض جسد التزام المهرجان بتسليط الضوء على قضايا آخر مستعمرة في إفريقيا، ففي 25 دقيقة، اقتربت كاميرا المخرجة الإسبانية راكيل لاروثا من حياة السيدة الصحراوية فاتيماتو بوشاريا، التي وجدت نفسها مضطرة لاختيار مهنة نزع الألغام بسبب ندرة فرص العمل وحاجتها لإعالة أسرتها، لم يكن المجال سهلا، فهو غالبا ما يعتبر حكرا على الرجال، كان العمل صعبا عليها لكن دعم والدتها شكّل سندا كبيرا لها، ومع ذلك رأت فاتيماتو أنّ مهمتها إنسانية خالصة، مؤكّدة أنّ تحدياتها لم تمنعها من الاستمرار بفضل الدعم المتواصل الذي تلقته.
في تندوف بالجزائر حيث تقيم، وجدت فاتيماتو ملجأ آمنا ومستقرا بعيدا عن الحرب المستمرة التي تخوضها المغرب ضد جبهة البوليساريو، هناك تعمل كمنسقة للفريق النسائي الصحراوي المكلف بالكشف عن الألغام، تمكنت من خلق بيئة آمنة لها ولزميلاتها، لتصبح المدينة بالنسبة لها المكان الأكثر أمانا واستقرارا وسط ظروف محفوفة بالمخاطر.
تعود فاتيماتو بذاكرتها إلى المرة الأولى التي واجهت فيها لغما، حين كانت تستعد لتفجيره، تجربة جمعت بين الخوف والترقّب والمسؤولية الكبيرة، وقد منحت المخرجة راكيل لاروثا مساحة للنساء اللواتي يعملن في جمعية SMAWT في حقول الألغام، ومن بينهن خريجات جامعات، إحداهن حاصلة على شهادة في علم الآثار، لتسرد كلّ واحدة تجربتها الشخصية وما يواجهونه من مخاطر، تتحدّث هؤلاء النساء عن الخوف والتوعية والتحسيس، وعن الدور الحيوي لعمليات نزع الألغام في التقليل من المخاطر وحماية المدنيين من الضحايا، وتتشابك هذه الشهادات مع سرد الواقع الذي تعيشه النساء في أرض اللجوء، لتشكّل دعوة صريحة للأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانية للعمل على دعم الشعب الصحراوي وتوفير السلام والأمن في المخيمات.
توجّهت راكيل لاروثا بعد تخرجها نحو صناعة الفيلم الوثائقي، باحثة عن قصص حقيقية تلامس الواقع وتُحدث أثرا، تؤمن بأنّ الكاميرا ليست مجرّد أداة تصوير، بل وسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي، وسلاحا يكشف الظلم ويدافع عن حقوق الإنسان.
افتتاح المسابقة الرسمية للوثائقيات
« أكناو « .. موسيقى متجذرة وطقوس متناقضة
يستعرض فيلم « أكناو » للمخرجة الجزائرية حورية حمادوش، الذي افتتح المسابقة الرسمية لمهرجان الجزائر الدولي للفيلم، في فئة الفيلم الوثائقي، في معالجة وثائقية ذات طابع إثنوغرافي، الإرث الإفريقي العريق لفن كناوة، وأبعاده الروحية وامتداداته الثقافية والموسيقية، كما يتتبّع مسارات انتشار هذا الفن عبر بلدان المغرب العربي، مع إضاءة خاصة على حضوره المتجذّر في الجزائر، ويسلّط الوثائقي الضوء أيضا على الروح التي يحملها هذا التراث، وعلاقته بالذاكرة الجماعية، ومقاومته للتغيّر عبر الزمن.
يبرز وثائقي « أكناو »، الذي عُرض أمس الجمعة بقاعة « كوسموس » برياض الفتح، في 57 دقيقة، أصول وطقوس موسيقى الديوان أو الكناوي وكلّ ما يحيط بها من خلال شهادات مباشرة، إذ يؤكد الدكتور علي بوشيخي أنّ هذه الموسيقى عريقة جدا، حيث يرجع تاريخها، حسب بعض المتخصّصين، إلى القرن السادس أو السابع، وهي تحمل أبعادا اجتماعية وثقافية وروحية ودينية، وترافق الفضاءات التي تُقام فيها طقوس تقليدية خاصة، كما استعرض الوثائقي الآلات الموسيقية المرتبطة بهذا اللون، أبرزها آلة القمبري حيث قدّم أحد الموسيقيين شرحا مفصّلا لأشكالها ومعاني تصميمها وطريقة صنعها، مؤكّدا أنّها آلة « حية » تنبض بالروح.
موسيقى الكناوة التي اتّخذت اسم الديوان عند انتقالها إلى الجزائر، حسب ما أشار إليه المعلم يوسف معزوز، تضمّ أبراجا فريدة لا توجد إلاّ في شمال إفريقيا، ما يبرز خصوصيتها وتميّزها في التراث الموسيقي الإقليمي، مع الإشارة إلى أنّ الأبراج لا تشبه بعضها من حيث الاستخبار أو الكلمات، ولم يكتف وثائقي أكناو باستعراض تاريخ موسيقى الكناوة المنتشرة في عدّة بلدان ومجتمعات إفريقية، بل تعمّق أيضا في طقوسها المصاحبة للحلقات مثل الجدبة وضرب الجسد بالسكاكين، ممارسات أثارت الجدل دائما، وسجّلت موقفا لدى بعض المتدخّلين، حيث عبّر بعضهم عن رفضهم لهذه الطقوس لتعارضها مع القيم الإنسانية والدينية.
كما أشار المعلم يوسف معزوز إلى أنّ بعض التقاليد الممارسة اليوم في إطار موسيقى الكناوة لا تمتّ بأصلها وهدفها بصلة، معتبرا أنّ استمرارها جاء نتيجة جهل بالموروث الحقيقي، وأوضح أنّ هذه الممارسات رغم ارتباطها بالطقوس، تتعارض أحيانا مع قيم ومبادئ الدين، مشدّدا على أنّ الإسلام قد وفّر للإنسان إطارا للتخلّص من الطقوس التي تتنافى مع الأخلاق والقيم الروحية، مع الحفاظ في الوقت نفسه، على الجوهر الثقافي والفني للموسيقى الكناوية.
السجادة الحمراء تستعيد وهجها:مهرجان الجزائر يعود بنبض جديد
رسّخ مهرجان الجزائر الدولي للفيلم خلال إحدى عشرة طبعة، مكانته في خارطة المهرجانات الجزائرية وفي الساحة الثقافية، ويصبح حدثا يلقى اهتمام الجمهور، والسينمائيين، والمثقفين أيضا، هذا ما برز بوضوح في أجواء افتتاح الدورة الثانية عشرة التي أقيمت بالمسرح الوطني الجزائري « محي الدين باشطارزي »، أمس الخميس، حيث بدا المهرجان وكأنه يستعيد نبضه من جديد بعد سنوات من الغياب، فالعودة لم تكن مجرد افتتاح، بل كانت استعادة لروح المهرجان الذي استطاع أن يؤسس مكانته بفضل اختياراته الفنية والجمالية والإنسانية.
شهدت السجادة الحمراء حضورا متنوعا من ضيوف المهرجان، من مخرجين وممثلين وسينمائيين ومهنيي القطاع، جزائريين وأجانب، جاءوا ليشهدوا ميلاد هذه الدورة الجديدة، ورغم طابعه الدولي، حافظ المهرجان على قربه من الجمهور، مقدما تجربة تجمع بين الاحترافية والدفء الإنساني، كما لاقت هذه اللحظات متابعة واسعة من الإعلام الوطني والدولي الذي سجل كل مرور، وكل حركة على السجادة الحمراء.
في هذا الصدد، يرى مستشار رئيس الجمهورية المكلّف بالسينما فيصل ميطاوي، أن المهرجان يتجه نحو نجاح لافت، مستندا إلى عودته القوية هذا العام، سواء من خلال الأسماء المكرمة، أو الخيارات الفنية الواضحة في برمجته، من أفلام ولجان تحكيم وضيوف ودروس السينما، واعتبر أن اختيار فيلم الافتتاح « غطّاسو الصحراء » الذي أعاد إلى الذاكرة اسم طاهر حناش، أحد صناع أمجاد السينما الجزائرية، يحمل دلالة رمزية مهمة، كما ثمّن إقامة حفل الافتتاح في مبنى له مكانة تاريخية مثل المسرح الوطني الجزائري، مؤكدا أن عودة المهرجان إلى قلب العاصمة خطوة تعزز حضوره أكثر، وأشاد أيضا باختيار كوبا ضيف شرف، لما يجمعها مع الجزائر من قيم مشتركة في دعم قضايا التحرر والدفاع عن الشعوب المضطهدة.
بدوره، أشاد الفنان حكيم دكار بمواصلة مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، إبراز قضايا الشعوب والدفاع عن قيم التحرر، وهي المواقف التي عُرفت بها الجزائر ولا تزال تحملها، واعتبر أن المهرجان يشكّل فرصة ثمينة للاطلاع على تجارب الآخرين والاحتكاك بصناع الأفلام، مضيفا « أتمنى للمهرجان نجاحا يليق بتاريخه وبالعمل الكبير الذي بُذل ليستمر، وأنا على يقين بأن فريقه قادر بخبرته على دفعه إلى مزيد من التطور، وأن عودته هذه ستكون أكثر قوة وتوافقا مع تطلعات السينمائيين ».
من جهته، قال المنتج والمخرج الطيب توهامي أنّ عودة مهرجان الجزائر الدولي للسينما تشكّل إنجازا لافتا للجزائر، وللعاصمة تحديدا التي تحتاج إلى موعد سينمائي وازن، وأضاف « كلّ التفاصيل التي تحيط بالمهرجان هذه السنة تُنذر بدورة واعدة تحمل ملامح طبعة مميزة، وحضور الوجوه السينمائية على السجادة الحمراء أضفى أجواء حماسية مفعمة بالتطلّع ».
ويرى الإعلامي والناقد السينمائي جمال الدين حازورلي أن استمرار مهرجان الجزائر الدولي للفيلم واتّساعه نحو أعمال وقضايا تُنجز بعناية وجدية يمنحانه طابعا دوليا متينا، فالسينما بوصفها الفن الأكثر شعبية وقربا من الجمهور، تحتاج إلى فضاءات كهذه لترسخ حضورها، ويعتبر حازورلي أنّ المهرجان حقّق خطوة مهمة إلى الأمام، وأنّ الجزائر جديرة بمثل هذا الموعد السينمائي، فهي التي وفّرت لسنوات فضاء رحبا لصناعة أفلام محلية وعالمية، ووهبت الكثير منها خلفيتها البصرية وروحها التي لا تُخطئ.
افتتاح الطبعة 12 لمهرجان الجزائر الدولي للفيلم:التزام راسخ بالقضايا العادلة والصداقات التاريخية
رُفع الستار، ليلة أمس، عن الطبعة الثانية عشرة لمهرجان الجزائر الدولي للفيلم بالمسرح الوطني الجزائري » فكانت طبعة العودة، طبعة الخروج إلى النور، فمن ركح « بشطارزي »، نفس الركح الذي احتضن جثمان فقيدة السينما والشاشة « بيونة »، ولدت عنقاء السينما من رمادها، كما تفعل في كل زمان ومكان، وحلقت من الجزائر إلى كوبا، لتؤكد مرة أخرى على أن الجزائر لا تنسى أصدقاءها، كما أنها لا تنسى التزامها تجاه الفن الهادف والقضايا العادلة.
المحافظ مهدي بن عيسى: السينما قاومت الصمت ورافقت التحوّلات
في كلمته خلال حفل الافتتاح، رحّب محافظ المهرجان مهدي بن عيسى إنّ السينما « كانت دائمًا في مواجهة التحديات »، موضحًا « عندما كانت السينما صامتة لم تكن ساكتة. وحتى عندما أتت الألوان لم تخف..صعدت للجبال وساندت الكفاح والتحوّلات الاجتماعية مثل المجاهد الذي يواكب العصرنة ».
وأشار إلى أن السينما تجاوزت الحدود، وعايشت الحروب من أجل الحرية، وتكيّفت مع التلفزيون والأجيال الجديدة والتكنولوجيا الحديثة، لأنّها، كما قال، « خبرة وحيلة » تسمح للإنسان بمواجهة أفكاره وقيمه من خلال الصورة. مضيفا « أفلام اليوم هي ذاكرة الغد وتاريخ المستقبل..ومن واجبنا أن نحكي حكاياتنا قبل ما تصبح مادة يستغلها غيرنا ».
وختم المحافظ كلمته بتحية تضامنية »Viva Cuba Libre… Free Palestine… « .
وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة: الإبداع قوّة لبناء المجتمع وترسيخ قيم الانفتاح
في كلمتها، أكّدت وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة مليكة بن دودة أنّ السينما واحدة من أوسع المساحات التي تسمح للإنسان بإعادة التفكير في مصيره وفي معنى العيش المشترك. وقالت « الفن، حين يقترب من قضايا الإنسان، يتحوّل إلى معرفة حسّية تضيء ما قد يُحجب عن النظر، وتمنح التفاصيل الصغيرة قيمتها الأخلاقية ».
وأوضحت أن المهرجان ينهض برؤية تجعل من الإبداع قوة لبناء المجتمع وترسيخ قيم الانفتاح والتفكير النقدي، مشيرة إلى أن تنوّع الأفلام المشاركة يفتح أمام الجمهور مساحات جديدة للتأمل والتفاعل واكتشاف تجارب إنسانية مختلفة. وأضافت « كلّ فيلم يُعرض هنا هو إضافة لرصيدنا الرمزي.. وحوار إنساني يتجدّد بالصورة والصوت ».
وختمت الوزيرة بتحية الفنانين صُنّاع الحلم، مؤكّدة أنّ الجزائر ستظلّ تدعم الفنون التي تمنح الإنسان الحق في السرد والحضور، لتعلن بذلك انطلاق الطبعة الـ 12 لمهرجان الجزائر الدولي .. مهرجان الالتزام بالقضية، بالفن، وبالصداقات العابرة للتاريخ.
سفير كوبا: مشاركتنا تكرّس روابط تاريخية عميقة
من جهته، عبّر سفير جمهورية كوبا بالجزائر عن فخر بلاده بالمشاركة كضيف شرف لهذه الدورة، معتبرًا الدعوة « تكريمًا للعلاقات التاريخية التي تربط الجزائر وكوبا منذ عقود ».
ورحّب السفير بالمشاركين الكوبيين في المهرجان، سواء من المتنافسين أو من أعضاء لجان التحكيم، مؤكدًا أنّ المهرجان يجسّد كامل تضامن الجزائر مع الشعب الفلسطيني « الشجاع »، على حدّ تعبيره.
تتحد أصوات وروايات الشعوب في الجزائر
تأسس سنة 2002، أصبح مهرجان الجزائر الدولي للفيلم (AIFF)، المعروف خلال 11 دورة باسم مهرجان السينما الملتزمة الدولي (FICA)، موعدًا لا يمكن تجاوزه بالنسبة لشغوفين الفن السابع. وبشغف ومثابرة، بنى المهرجان عبر السنوات جسورًا دائمة بين السينمائيين الجزائريين والمبدعين القادمين من دول وقارات مختلفة.
لقد قدّم للجمهور رحلة فريدة عبر أعمال سينمائية من العالم بأسره، حيث نجد كل عرض، وكل لقاء، وكل نقاش قد ساهم في جعل مهرجان الجزائر الدولي للفيلم مفترق طرق ثقافي حقيقي بين الشعوب، وفضاءً للحوار، وتحية حيّة للجزائر، ولسينماها وللسينما العالمية. مكان يصبح فيه الفيلم أداة للذاكرة، وللمقاومة وللخيال المشترك.
في دورته الثانية عشرة، يعزّز مهرجان الجزائر الدولي للفيلم مكانته كفضاء مميّز لسينمات الجنوب ويؤكّد أكثر من أي وقت مضى مهمته كمنصّة تحتفي بالأصوات الجريئة والتجارب الإبداعية. ومع 3,300 فيلم مُستَلم من 117 بلدًا، تعكس الاختيارات الرسمية 2025 الحيوية والامتداد الدولي للسينما: سينما تتحدث إلى العالم بلغة عالمية، ترتجّ بحساسية إنسانية متجذّرة في الواقع ومنفتحة على الأفق الكوني.
من سهول كازاخستان إلى أحياء جنوب إفريقيا، من أنقاض بغداد إلى صحاري الجزائر، ترسم المسابقة الرسمية — الأفلام الطويلة، القصيرة والوثائقية — خريطة إنسانية حيّة، حيث كل فيلم يصبح صوت وجود، رسالة حوار ونبضة أمل.
الفنان صالح أوقروت على موعد مع التكريم في حفل الإفتتاح
صالح أوقروت، المعروف فنيًا وجماهيريًا باسم « سولياح »، هو أحد أبرز الفنانين الكوميديين في الجزائر. وُلد عام 1961، بدأ مسيرته في المسرح قبل أن يتألق في التلفزيون والسينما، مقدّمًا أعمالاً خالدة مثل أفلام « كرنفال في دشرة »، و »مال وطنّي »، وسلسلة « جمعي فاميلي »، و »السلطان عاشور العاشر »، و »بوزيد Days ». يتميز بأسلوبه الكوميدي الفردي الذي يعتمد على إماءات الوجه والحركات المدروسة، مما أكسبه مكانة واسعة لدى الجمهور، وجعله من أهم الأسماء في الكوميديا والفن الجزائري عمومًا.