المنتج السوداني طلال عفيفي 

السينما السودانية تعيد صياغة حضورها محليا وعالميا

  **الجزائر تمثل روحا ثقافية خاصة في المنطقة

**  نسخة « غطّاسو الصحراء » المرمّمة تعكس وعيًا جزائريًا بالأرشفة

**الحروب تعيد كتابة التاريخ بمرويات غير أصيلة 

**السينمائيون يحتاجون إلى تمويل وفرص وتحرّك قانوني ميسّر



يشارك المنتج السوداني طلال عفيفي في مهرجان الجزائر الدولي للفيلم كعضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، وتمثل مشاركته في الدورة 12 فرصة للاطلاع على التجارب السينمائية الإفريقية والعربية والعالمية وتبادل الخبرات مع صناع أفلام من مختلف البلدان. 

أسس عفيفي عام 2010 سودان فلم فاكتوري (Sudan Film Factory)، وهي منظمة غير ربحية بدأت كمشروع تدريبي لصناعة الأفلام الوثائقية عبر معهد غوته الألماني أواخر 2009، قبل أن تنفصل عنه عام 2013 لتصبح منصة مستقلة تعمل على تدريب صانعي الأفلام والإنتاج السينمائي، تسعى منذ تأسيسها إلى بناء شبكة لدعم السينما السودانية داخل وخارج البلاد، وقد تمكنت من إقامة أكثر من 30 ورشة تدريبية مجانية وأسهمت في إنتاج أكثر من 45 فيلما، كان آخرها فيلم الخرطوم (2025)، كما أطلق سنة 2014 مهرجان السودان للسينما المستقلة، الذي لا يزال يرأسه حتى اليوم، من خلال هذا الحوار سنتعرف على مسيرته والمشاريع التي يشرف عليها لتطوير صناعة الأفلام السودانية المستقلة، بالإضافة إلى اهتمامه الكبير بالأرشيف السينمائي وسعيه للحفاظ عليه في سياق إفريقي وعربي وعالمي.

++ في مشاركتكم الثانية كمحكم في مهرجان جزائري، ما الجوانب التي تأملون اكتشافها، وما فرص التعاون التي تعتقدون أن هذه اللقاءات قد تمهد لها مستقبلا؟

فعلا، هذه مشاركتي الثانية كمُحكم في مهرجان جزائري، الأولى كانت في مهرجان وهران للفيلم العربي منذ سنوات، وهذا أمر مهم بالنسبة لي كون الجزائر تمثل روحا ثقافية خاصة في المنطقة، أطمح أن أتعرف بشكل أقوى على المؤسسات والأفراد الفاعلين في الجزائر خلال أيام مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، وربما نثر بعض البذور لتعاون مستقبلي، سواء على مستوى الإنتاج أو على مستوى التخطيط الثقافي.

++ هل يمكن أن يتجسّد هذا التعاون في مجال الأرشيف السينمائي مع المهنيين الجزائريين، الذين يسعون لإحياء ذاكرة السينما الوطنية، وتُحقّق الخطوة استفادة مشتركة للسينما السودانية والجزائرية؟

لاحظت هذا الاهتمام بالأرشيف في افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للفيلم، من خلال عرض النسخة المرمّمة لفيلم غطّاسو الصحراء، يسعدني أن أطلع أكثر وعن قرب على التجربة الجزائرية في هذا الأمر، وبالتأكيد يمكن خلق تحالفات وتبادل خبرات في هذا المسار، ما يجعل هناك فرصا وبنى تحتية وصيغا تساعد الأجيال القادمة أو الموجودة حاليا على العمل بقوّة دفع أكبر.

++ ما الذي دفعكم للتركيز على الأرشيف السينمائي وممارسات الحفاظ عليه، وكيف ترون دوركم في حماية ذاكرة السينما السودانية؟

أتيت إلى العمل في الأرشيف السينمائي من باب التفكير في دمقرطة وإتاحة الصورة (صورتنا) ومقاومة الحصرية التي تتبناها وتحرسها الأكاديميات والمعاهد المغلقة في شمال العالم خصوصا، منطلقا من سؤال بسيط، ربما: من الذي يملك حق (الفُرجة) على الصور والأفلام، وتداولها، وحفظها، وتأويلها، وبأيّ شروط؟، واليوم، في ظل ما تواجهه المنطقة من حروب وتدمير وإعادة كتابة للتواريخ بمرويات غير أصيلة، يصبح العمل على الحفظ والأرشفة وإعادة المواد الأرشيفية إلى الحياة والاشتباك مع الأسئلة المعاصرة أمرا ضروريا وواجبا.

++  إلى أي مدى تمكنت سودان فلم فاكتوري منذ تأسيسها، من تكوين جيل جديد من صنّاع الأفلام، وأن تُحدث أثرا فعليا في إعادة بناء المشهد السينمائي السوداني بعد سنوات من الغياب؟

ربما يكون هذا سؤالا يُفضّل أن يجيب عليه الآخرون، لكن ظني أنّ أثر سودان فلم فاكتوري كان عميقا، وأنا أعتزّ بمساهمتها في الدفع بعدد كبير من المخرجين والمصوّرين وفناني الصوت والإضاءة إلى الساحة، حيث أصبحوا جزءا من الحراك السينمائي السوداني المثير للإعجاب اليوم، بل تمتد مساهماتهن ومساهمتهم إلى أعمال سينمائية متميزة في الإقليم.

++ مع تنامي الاهتمام العالمي بالسينما السودانية وبروز أسماء مهمة داخل البلاد وخارجها، كيف يمكن تحويل هذا الزخم إلى فرص حقيقية لتطوير الصناعة، وما دور سينمائيي المهجر في دعم بناء مشهد سينمائي مستدام؟

السينما السودانية تفتقد عنصرها الأهم، الأرض والسياق الاجتماعي الطبيعي، الحرب تلعب دورها السلبي في تهجير الفنانين، كسر النسيج الذي صاغوه على مدى سنوات، ووجودهم الآن تحت ظروف قاسية، في المهاجر أو حتى الوطن المنكوب بالحرب، على أيّ حال السينما السودانية تحتاج إلى تمويل، والسينمائيات والسينمائيون يحتاجون إلى فرص للتعلّم والاحتكاك وتكييف أمرهم القانوني ليتحرّكوا بيُسر، السودانيون في المهجر كان لهم سهمهم العالي، حتى قبل هذه الحرب الكبيرة الأخيرة، سوزانا ميرغني، هاشم محمد، صهيب قسم الباري، مروى زين، حجوج كوكا، وأمجد أبو العلاء، أبرز من يشكّلون ملامح السينما السودانية اليوم، هم أبناء مهاجر واغتراب، لكنّهم عبّروا عن صورة السودان بضراوة وشجاعة وجمال منقطعي النظير، كلّ بأسلوبه وروحه، غير الإنتاجات التي قدّموها، فهم في مهاجرهم يقدّمون فرص العرض في مدنهم ويقدّمون فرصا للإنتاج المشترك، كما يساهمون في الملتقيات السينمائية مثلما يساهم بعضهم في تنظيم مؤتمرات وورش عمل ودراسات عن السودان والسينما السودانية.

++ انطلاقا من النشاط البارز للسينمائيين السودانيين في الخارج، وكيفية تواصلهم مع المشهد الوطني، كيف يسهم مهرجان السودان للسينما المستقلة في تعزيز هوية السينما الوطنية، وإتاحة نافذة للجمهور لرؤية قصصه وثقافته؟

المهرجان عبر دوراته السنوية المختلفة منذ عام 2014 قدّم فرصا ممتازة لعرض الإنتاجات السودانية والدولية للجمهور السوداني، فساهم في تعزيز وحشد الناس أمام أعمال سينمائية معاصرة وقديمة، ذكّر الناس بمخرجين سودانيين منسيين، واستعاد أعمالهم من الأرشيف إلى حياة العرض والنقاش والنقد، كذلك ساهم المهرجان عبر لياليه وأيامه الممتدة في الربط والتعارف بين أجيال مختلفة من صناع السينما واستضاف سينمائيين من كل أنحاء العالم قدموا تجاربهم على الشاشة أو نظريا عبر محاضرات وندوات أظنّ أنّها أثّرت بشكل حيوي على كلّ من كان جزءا منها، من المهم أن نذكر أنّ المهرجان ألزم الدولة في السودان بالعديد من المهام تجاه السينما، مثلما استطاع أن يتحوّل إلى مهرجان من المهرجانات المميّزة في المنطقة، سواء من ناحية جودة ونوعية الأفلام المعروضة، أو من ناحية الأنشطة الموازية.