Skip to content

تجتمع الأسرة السينمائية اليوم في الجزائر، مدينةٍ تحمل في ذاكرتها تاريخًا من الحوار، وتفتح أبوابها دومًا أمام الأسئلة الكبرى التي تشغل البشر. في عالم تتبدّل ملامحه بسرعة، يبقى الفيلم أحد أهم المساحات الممكنة التي تتيح التأمل في مصائر الناس، وإعادة التفكير في معنى العيش المشترك، وفي مسؤولية الإنسان أمام محيطه ومجتمعه وتاريخه.

الفن، حين يقترب من قضايا الإنسان، يتحوّل إلى معرفة حسّية تتجاوز حدود التحليل النظري. فالصورة تمتلك قدرة على كشف ما يُحجب، وعلى منح التفاصيل الصغيرة وزنها الأخلاقي العميق. والسينما، سيما الملتزمة بهذا المعنى، تسهم في تشكيل وعي إنساني أكثر اتساعًا، وتمنح الجمهور فرصة للإنصات إلى طبقات الواقع المتعددة، بما فيها تلك التي لا تظهر في الخطابات الرسمية أو في السرديات السائدة.

يأتي هذا المهرجان ليعزز رؤية ثقافية ترى في الإبداع قوةً من قوى بناء المجتمع، وفضاءً يُتيح تعدد الأصوات، ويصون مكانة التفكير النقدي في حياتنا العامة. فحين تحتضن الثقافة اختلاف التجارب وتنوع المقاربات، يصبح الفعل الفني شريكًا في ترسيخ قيم الانفتاح والعدل والاحترام المتبادل. وتحت سقف هذا المهرجان، تتجاور الأعمال القادمة من أماكن بعيدة، وتحمل معها ذاكرة شعوبها وأسئلتها ومساءلاتها للعالم. فيلتقي المتفرج مع تجارب قد لا يعرفها، ويعيد اكتشاف قدرته على التعاطف، وعلى قراءة الأحداث بمنظور أوسع وأعمق. وهكذا إضافة إلى ما تقدمه السينما من تعبير جمالي، ترسخ أيضا ممارسة فكرية تُنير الطريق نحو فهم أكثر نضجًا لحقيقتنا المشتركة.

إن الجزائر، بتاريخها الثقافي المعروف وبدورها الحضاري المستمر، تواصل دعمها للفنون التي تُعطي للإنسان حق السرد وحق الحضور. فكل فيلم يُعرض هنا هو إضافة إلى رصيدنا الرمزي، وإلى مشروعٍ ثقافي إنساني يؤمن بأن المعرفة تتجدد حين تتفاعل مع الإبداع، وأن الحوار يزدهر حين يجد لغته في الصورة والصوت. أحيّي صُنّاع الأفلام، وكل القائمين على هذه التظاهرة التي تُعيد الاعتبار لقيمة الفن في زمن تتداخل فيه التحديات المحلية والعالمية. وأتمنى أن تكون أيام المهرجان فرصة للتفاعل، ولطرح الأسئلة، ولتوسيع أفق الفكر الإنساني.

مرحبا بكم في الجزائر،
ولتكن السينما جسرًا نحو مستقبل أكثر وعيًا وإنسانية.

الدكتورة مليكة بن دودة
 وزيرة الثقافة والفنون